مقدمة لمقترح قانون جديد إنتخابات نيابية في لبنان.
مُستغرباً، كان آخر قانون إنتخابات نيابية صناعة لبنانية، عَمَل له ظاهرياً رئيس حزب التيار الوطني الحر جبران باسيل. والقانون الذي توصل له وقُبِل أخيراً من جميع الأطراف كان هدفه المعلن حق الأحزاب المسيحية تسمية مرشحي النيابة المسيحيين للمجلس وذلك لتحقيق ما أوصى به إتفاق الطائف وهو المناصفة والتمثيل الفعلي بين السياسيين المسيحيين والمسلمين. وبما أن طوائف لبنان المسيحية هي الوحيدة بين جميع الطوائف التي تتواجد في جميع المحافظات بأعداد غير ضئيلة، كانت سابقاً تسمية النواب المسيحيين في المناطق حيث هم أقلية حكراً للزعيم المناطقي المسلم. وفي لبنان يتوجب على الناخب اللبناني الإدلاء بصوته حيث سِجْل عائلته لا حيث مكان اقامته. فإن كان مثلاً من سكان المتن وقيد عائلته مسجل في قوائم الناخبين في بلدة مرجعيون الجنوبية فإما يذهب للإنتخاب هنالك أو لا يقوم أبداً بواجبه الوطني. بإمكان هذا الناخب أيضاً طلب نقل سجله العائلي إلى المتن لكن هذا يتطلب معاملات ادارية وسياسية يتهرب منها المواطن خصوصاً بظل هكذا قانون إنتخاب غير عادل وأوضاع الوطن بظل الفشل السياسي والإقتصادي…
ومقارنةً بالقانون الأسبق، فَرَض القانون الحالي على الناخبين إختيار لائحة واحدة بالكامل تضم جميع مرشحي حزب أو تجمع. فسُلِب المواطن من حقه في إنتخاب النائب الذي يريده بسبب منع حق التشطيب في لوائح المرشحين. بمعنًى آخر حُرِم المواطن من خيار خلق لائحته المفضلة مسمياً فيها من يفضله من كل المرشحين. كما حُرِم مرشحون كثر من خوض الإنتخابات بسبب عدم انتمائهم لحزب أو تجمع كما ليس لهم لائحة ولا يحبذون اللوائح الطائفية.
وكانت نتيجة الإنتخابات الأخيرة بلا تغيير كبير في توزيع أعضاء المجلس السابق وتوازناته. فبينما حصل تحالف ما يسمى ب الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر على أغلبية ضئيلة، فإن النظام السياسي في لبنان لا يفهم ولا يجرؤ على الحكم بالأكثرية مثل ما يحصل في جميع الدول الديمقراطية. ومهما كانت نتائج الإنتخابات في لبنان فالمفروض أو اقله المتوقع تعيين رئيس للوزراء ممثلاً لأكثرية سنة لبنان حتى وإن كان من الأقلية النيابية. فيتوقع أن يكون السني الحائز على أكثر مقاعد نواب السنة أن يُعَيّن رئيساً لوزراء لبنان، وأن يكون مرادفه المسيحي الماروني كذلك رئيساً للجمهورية. لكن في التخبط والتنافس المسيحي الماروني الذي كان قد وصل مراراً لحروب دامية بين افرقائه، يفضل قسم من المسيحيين عدم الأخذ بهذا الإعتبار.
فبينما لكل من شيعة وسنة ودروز لبنان تضامن سياسي قد يُعَد صلباً في طوائفهم، لموارنة لبنان فصول من الحقد بين عائلاتها المتنافسة أشبه بمافيات صقلية. ويحاول بطريرك الموارنة العمل لتنمية الروح المسيحية في طائفته لكنه يجد نفسه يعمل جاهداً لإطفاء الحرائق السياسية المندلعة دوماً بين أقطاب طائفته. ويجد أيضاً نفسه مراراً يعمل على الدفاع عن مركز رفيع مخصص لطائفته ليظهر كأنه يدافع عن موظف فاسد.
ومجدداً مهما كانت نتائج الإنتخابات النيابية فإنها تفرض على رئيس الحكومة المكلف العادات اللبنانية السياسية والشروط الأجنبية لتأليف حكومة تضم جميع الأفرقاء برضى أو غصباً عن زعماء الأكثرية والأقلية. ففي لبنان يشترك جميع الأطراف بالحكم وعادة لا يمكن التغاضي عن تمثيل أي قطب سياسي دون موافقته مهما كانت الفروقات والإختلافات في السياسة والنهج. فيصبح الوطن كالسيارة التي تديرها أرجل وأيدي عدة سائقين. فواحد منهم يدوس على دعسة البنزين وآخر على الفرامل ويتقاسم آخران المقوى، واحد يشده لليمين وواحد يشده لناحية الشمال… فكيف نتوقع من هذه السيارة السير؟
تدخلات الدول الإقليمية والعالمية النافذة في فرض هكذا شروط غرضها التحكم بمصير الوطن أو زعزعته عند الطلب أو تسويق سياستهم. وهذه المشكلة تتعاظم، لأن كل فريق أجنبي له ذراع في مجلس النواب اللبناني ولما تتعارض هذه الأذرع تحصل الكارثة عندنا.
التدخلات العالمية في الشأن اللبناني سهلة جداً وحتى تتمناها بعض الجهات المحلية فبجانب الحصول على أموال تسويقية لموقف سياسي معين، يصبح هؤلاء الزعماء ذو شأن. فتكتب عنهم الصحف أن السفير الفلاني زارهم “وتشاوروا بالمستجدات” وهم زاروا العاصمة الفلانية وإجتمعوا بمسؤولين في وزارة خارجية أجنبية لمدة عشرين دقيقة في مكتبه (حتماً لم ولن يدعوهم أي نافذ أجنبي لزيارة منزله).
التخبط والجنون السياسي في لبنان له عدة أسباب أولها أن النظام مخطط له أن يبني دائماً على نفس الزعمات الطائفية أو ورثائها، كل منهم قطب. فالكرة الأرضية لها القطب الشمالي والجنوبي، كل منهم يعرف وجهته ولا يتدخل بالآخر. لكن في لبنان للموارنة فقط أربعة أقطاب. للثنائي الشيعي تمثيل مهم بين شيعة لبنان لكن لا أحد يعرف إن كانت شعبيته في طائفتهم الكريمة هي ٦٠٪ أو ٨٠٪ أو ٩٥٪ أو أقل أو أكثر من هذه الأرقام. وهنالك إستياء شعبي وإنقسامات تظهر في الشارع السني وأهم أسبابه عدم الإهتمام بمناطق الشمال من الدولة ومن سنة بيروت أو حتى من مليارديري طرابلس، كما قل الإهتمام الخليجي بلبنان مما أتاح لتركيا الدخول على خط التدخل السياسي في لبنان.
وفي داخل طائفة الموحدون الدروز، وكما في كل لبنان، فإن خطوط المناطق الإنتخابية وقانون الإنتخاب المتداول لا يعطيان فكرة صحيحة عن قوة كل الأفرقاء الدروز.
أما داخل الطوائف المسيحية الأخرى هنالك إستياء غير معلن عن إستيلاء أقطاب الموارنة على تسمية المرشحين الروم الكاثوليك والروم الاورثوذكس. وتبقى الطوائف الأرمنية الكريمة الوحيدة التي تسمي مرشحيها داخل اللوائح الإنتخابية المهمة.
ثانياً: نظام وشروط قانون الإنتخابات الأخير في لبنان (٢٠١٨) غير مؤهل للإتيان بأي تغيير في التوازنات السياسية في الإنتخابات القادمة. فالأهمية هي أن يكون جميع الأقطاب ممثلون في المجلس. وليس لأي حزب أو تيار أو تجمع نيابي أي خطة بنسبة عالية من النجاح لِإنقاذ الوطن من أي من مشاكله. فسيطرة هؤلاء الأقطاب على القرار واللا قرار السياسيان هي من منظار مصالحهم الشخصية وللتأكد من عدم تصويب أي أصبع إتهام نحوهم أو نحو معاونيهم وشركائهم. ويبقى جميع النواب على علم تام بالتدخلات والتعليمات الأجنبية لهم ولغيرهم من السفارات. فهم يخدمون السفارات من مواقع موالية أو معارضة وبالمقابل تعتمد عليهم هذه السفارات في تمرير سياساتها وتعقيد سياسات دول أخرى. بمعنًى آخر، طال وسيطول زمن هذا النظام المجنون في لبنان إلى أن ينتفض الشعب لقانون إنتخابات جديد وشعبي وعادل قِيَمَهُ وأفكاره وأساسه موجود في هذا الموقع.
ثالثاً: ليس هنالك أي مطلب شعبي أو توقعات أن يكون لأي حزب أو تيار خطط إقتصادية وإنمائية وثقافية وسياسية ودفاعية وتربوية… ويعمل الجميع تلقائياً على نظام ال أي بي إم (إن شاء الله، بكرا، معليش) فيتقبل الشعب المظلوم ظلم الزعماء.فبهجته باقية طالما هنالك قوارير ماء معدنية للشرب في ظل إنقطاع الماء، وفرحته باقية طالما هنالك إمدادات مولدات كهرباء خاصة بديلة عند إنقطاع الكهرباء، وحبه للزعيم غير مشكوك به طالما وَظّفَ ابنه في الدولة، ويبقى اللبناني مشكوراً طالما بإستطاعته رمي الزبالة بالشارع عند توقف لم الزبالة، ويقوم جميع اللبنانيين بشكر زعيم لأنه قبل بتمديد فترة إستقبال الزبالة في مطمره حتى لو كان مع رفع سعر طن طمرالزبالة.
ويتضرع اللبناني لزعيمه طالما لم يتخط سعر صرف الدولار عتبة ال ١٠٬٠٠٠ ليرة، ومن ثم يتضرع له مجدداً لكي لا يتخطى لا سمح الله عتبة ال ١٥٬٠٠٠ ليرة. وينبهر اللبناني بذكاء زعيمه الذي إخترع البتكوين عفواً الدولار الطالبي. و… و… ويأمل ويتأمل اللبناني بالمستقبل القريب الذي سَيُمكنه مجدداً من رفع زعيمه على اكتافه…
طالما ليس هنالك أي تغيير بحال وموقف اللبنانيين من كل هذا الشواذ وتسلط نصف دزينة زعيم في مصيرهم وفي دولتهم، فكل كلمة وحرف آنفاً حقيقة. اللبناني مُذَلّ وذليل ودون شخصية إنسان محترم. فقد حطموه هؤلاء الزعماء ودمروا روحه وإستباحوا بمستقبله وحظه في حياة كريمة… وأمام وضعه اللا إنساني والمذل منذ عقود، إكتشف بعض اللبنانيون طريقة “فش الخلق” وهي سوء معاملة خادمتهم الإفريقية أو الوسط اسيوية، أو حتى تعنيف أسرته. وقد تكاثرت التقارير بذلك…
To be continued
Copyright © 2023 Lebanonese | All Rights Reserved